اسم الله ” الجميل”
إن من أسماء الله -جل جلاله- “الجميل”، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ:
“لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ”, قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ”(رواه مسلم:91).
وجمال الله -تعالى- يشمل جمال الذات والصفات والأفعال، ويكفي في بيان كمال جماله -سبحانه- ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام: في وصف ربه -سبحانه- بقوله:
“حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ -أي: أنواره- مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ” (رواه مسلم:179).
قال ابن القيم:
وهو الجميل على الحقيقة كيف لا *** وجمال سائر هذه الأكوان
مـن بـعض آثار الجميـل فربـهـا *** أولى وأجدر عند ذي العرفان
فـجـمـالـه بالـذات والأوصـاف *** والأفعال والأسماء بالبرهـان
(نونية ابن القيم:203)
قال الشيخ الهراس: “وأما الجميل فهو اسم له -سبحانه- من الجمال، وهو الحسن الكثير، والثابت له -سبحانه- من هذا الوصف هو الجمال المطلق، الذي هو الجمال على الحقيقة؛ فإن جمال هذه الموجودات هو من بعض آثار جماله، فيكون هو -سبحانه- أولى بذلك الوصف من كل جميل؛ فإن واهب الجمال للموجودات لا بد أن يكون بالغا من هذا الوصف أعلى الغايات، وهو -سبحانه- الجميل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
أما جمال الذات: فهو ما لا يمكن لمخلوق أن يعبر عن شيء منه أو يبلغ بعض كنهه، وحسبك أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم وأفانين اللذات والسرور التي لا يقدر قدرها، إذا رأوا ربهم، وتمتعوا بجماله؛ نسوا كل ما هم فيه، واضمحل عندهم هذا النعيم، وودوا لو تدوم لهم هذه الحال، ولم يكن شيء أحب إليهم من الاستغراق في شهود هذا الجمال، واكتسبوا من جماله ونوره -سبحانه- جمالا إلى جمالهم، وبقوا في شوق دائم إلى رؤيته؛ حتى إنهم يفرحون بيوم المزيد فرحا تكاد تطير له القلوب.
وأما جمال الأسماء: فإنها كلها حسنى، بل هي أحسن الأسماء وأجملها على الإطلاق؛ فكلها دالة على كمال الحمد والمجد والجمال والجلال، وأما جمال الصفات: فإن صفاته كلها صفات كمال ومجد، ونعوت ثناء وحمد، بل هي أوسع الصفات وأعمها، وأكملها آثارا وتعلقات.
وأما جمال الأفعال: فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد؛ فليس في أفعاله عبث ولا سفه ولا جور ولا ظلم، بل كلها خير ورحمة ورشد وهدى وعدل وحكمة”(شرح النونية؛ للهراس:2-64).
أخي الحبيب: إن مقتضى إيمانك باسم الله “الجميل” أن تلازم كل خلُق فاضل جميل، وبهذا أمر الله عباده؛ ففي موضع الصبر قال -سبحانه-:
{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج:5],
وفي الصفح يأمر الله -تعالى- نبيه بقوله:
{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85],
وحتى في الأمور التي نظن فيها الحزم والشدة يقول -تعالى-:
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10],
وهو الهجر الذي لا أذية فيه, وفي الفراق بين الزوجين يأتي الأمر الإلهي بالإحسان للمرأة حتى حال مفارقتها:
{وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49]؛
أي: طلاقاً لا أذى فيه ولا ضرر على المرأة.
والله -تعالى- يحب من عبده التجمل المشروع في غير إسراف ولا بطر ولا كبر, قال -تعالى-:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 31-32],
قال اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
” كُلوا واشرَبوا وتَصَدَّقوا والبَسوا في غيرِ مَخيلَةٍ ولا سَرَفٍ إنَّ اللهَ يُحِبُّ أن تُرَى نِعمَتُه” (رواه أحمد:10-178، وصححه أحمد شاكر).
وإذا كان مطلوب من المؤمن جمال ظاهره؛ فإن جمال الباطن أولى بأن يتعهده الإنسان، فأفضل ما ينبغي للمؤمن أن يتفقده قلبه؛ فليس الجمال الذي يمدح صاحبه هو جمال الشكل والصورة، وإنما جمال الأخلاق ونقاء السريرة، وطيب العشرة.
لَيْسَ الجَمالُ بِمِئْزَرٍ *** فاعْلَمْ، وإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا
إِنَّ الجَمالَ مَعادِنٌ *** ومَناقِبٌ أَوْرَثْنَ حمدَا
ولتشتاق نفوسنا إلى نعيم الجنة وجمالها، فكل نعيم وجمال في الدنيا لا يساوي شيئاً عند نعيم وجمال الآخرة، وكيف لا تشتاق نفسٌ إليها وفيها كل شيء قد بلغ الغاية في الحسن والجمال؟! وأعظم جمالٍ فيها رؤية الجميل -سبحانه-, ولذة النظر إليه،
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23]،
فاسألوا الله النظر إلى وجهه -تعالى-، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو الله ويقول:
“وأسألك لذَة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك”(رواه النسائي:1305، وأحمد:18351، وصححه الألباني).
وإن جمال الجنة لا يدرك إلا بالصبر عما حرم الله من جمال الدنيا؛ فعلى المسلم أن يغض بصره عما حرم الله عليه، وعلى المسلمة فوق ذلك أن لا تتباهى بجمالها أمام الناس؛ فتظهر ما يجب عليها ستره من جمال.