اختر صفحة

العليم العالم علام الغيوب

 

“العليم, العالم, علام الغيوب” من أسماء الله الحسنى, ورد اسم الله -تعالى- العليـــم في القرآن الكريـــم 157 مرة, وفي هذا دليل على عظم أهميته وأثره على المؤمن، وقد قرن الله بينه وبين بعض الأسماء الحسنى؛ كالحكيم, قال -تعالى-:

{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:100],

والسميع قال -تعالى-:

{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:13],

والعزيز قال -تعالى-:

{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام:96],

والخلاق قال -تعالى-:

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [الحجر:86],

والفتاح قال -تعالى-:

{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سبأ:26],

والواسع قال -تعالى-:

{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].

 

واسمه -تعالى- علام الغيوب ورد في أربع آياتٍ منها: قوله -تعالى-:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [التوبة:78]،

وهذه صيغة مبالغة تدل على سعة علم الله -سبحانه-, وأما عالم الغيب فقد ذكر في القرآن ثلاث عشرة مرة، منه: قوله -تعالى-:

{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9],

وقوله -تعالى-:

{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السجدة:6].

 

أحاط العليم -سبحانه وتعالى- علمًا بجميع المعلومات؛ عليمٌ بما كــــان، وما هو كــائن، وما سيــكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون, قال -تعالى-:

{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس:61],

أحـــاط علمه -سبحانه- بجميع الأشياء؛ ظاهرها وباطنها، دقيقها وجليلها, الغيب منها والشهادة,

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59].

 

يقول ابن القيم:

 

وَهُوَ العليمُ أَحَاطَ عِلْماً بِالَّذِي *** في الكونِ مِنْ سِرٍّ ومنْ إِعْلانِ

 

وبكلِّ شَيْءٍ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ *** فهوَ المحيطُ وليسَ ذا نِسْيَانِ

 

وكذاكَ يَعْلَمُ ما يَكُونُ غَداً وما *** قدْ كانَ والموجودَ في ذا الآنِ

وكذاكَ أَمْرٌ لمْ يَكُنْ لوْ كانَ كيـ *** ـفَ يكونُ ذاكَ الأمرُ ذا إِمْكَانِ

 

(نونية ابن القيم:204)

 

أخي الحبيب: ليكن لعلم الله -تعالى- أثرٌ على إيمانك وسلوكك، ولتطمئن نفسك إلى ما قدره الله -سبحانه- عليك؛ فإنه لا يأتي منه -تعالى- إلا الخير؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- عليم عـــالم بكل شيء وهو الحكيـــم -سبحــــانه- فيما قضى وقدر.

 

كل شيء تفعله يعلمه الله -تعالى-, سواء كنت في ظلمة أو في جهار, أو ليل أو نهار، سواء كنت في خلوه أو جلوة؛ فالله يعلم ما أنت عليه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:19], سواء كنت ملتحفاً أو كنت أيضاً عرياناً فالله يعلمك،

{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود:5],

حتى الأشياء التي تخفيها في صدرك هي في علم الله علانية؛ لأنه -تعالى- {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7], وإيمانك بعلم الله -تعالى- يقتضي منك مراقبة الله في جميع حركاتك وساكنتك, أقوالك وأفعالك, سرك وعلانيتك.

 

يقول الله -سبحانه- مبيناً سعة علمه، وأنه يستوي فيه السر والجهر:

{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد:10] ،

الكل يستوي في علمه -تعالى- مَنْ أخفى القول منكم ومَن جهر به، ويستوي عنده مَن استتر بأعماله في ظلمة الليل، ومن جهر بها في وضح النهار؛ فأين تذهب من علم الله -سبحانه-, وأين ستختفي؟!.

 

إن العمل بهذا الاسم يجعلك تعبد الله -عز وجل- كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك, وهذه هي مرتبة الإحسان أعلى مراتب الدين, قال جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم-:

“أخبرني عن الإحسان؟ قال: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” (رواه البخاري:50، ومسلم:9),

{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:4]

من علم حقاً أن الله معه أينما كان؛ انتبه لكل حركة وسكنة، وقول وفعل يصدر منه, وحاسب نفسه في الدنيا؛ لأنه يعلم أنه سيحاسب عليها كلها أمام الله العليم يوم القيامة.

 

والعلم بالله يورث خشيته على الدوام، وكلما كان الإنسان بالله أعلم كان له أشد خشية؛ لقوله -تعالى-:

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28]،

ويورث العلم بالله أيضاً خلق الحيـــــاء الذي هو من الإيمان؛ فعندما يعلم العبد أن الله -سبحانه- يعلم سره وعلانيته لا يخفى عليه شيء سيستحيي من ربِّه أن يطلِّع عليه فيجده في عمل يكرهه.

 

نسأل الله أن يرزقنا خشيته بالغيب والشهادة، ودوام مراقبته، والعلم به -سبحانه-.