اختر صفحة

اسم الله “الشكور” و”الشاكر”

 

واسم الله الشكور ورد في القرآن الكريم مقترنا مع أسماء معينة من أسماء الله الحسنى؛ لتعطي دلالات عن معنى اسم الله “الشكور”؛ فقد اقترن باسم الله “الغفور” ثلاث مرات، منها قوله -تعالى-:

{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:34]،

وهذا يفيد أنه غفور لمن عصاه، شكور لمن أطاعه؛ فهو غفور يغفر الكثير من السيئات، ويضاعف القليل من الحسنات.

 

واقترن اسم “الشكور” باسم الله “الحليم” مرة واحدة في قوله -تعالى-:

{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 17]،

وهو يفيد أنه شكور يثيب من أطاعه بأضعافٍ مضاعفة، حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة؛ بل يمهله ولا يهمله، ويصفح ويتجاوز عن الذنوب والسيئات.

 

وأما اسمه -تعالى- “الشاكر” فقد ورد في موضعين مقترنا باسم الله العليم، وهما في قوله -تعالى-:

{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147] ،

وفي قوله:

{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158],

وكان الله شاكرًا لمن يشكره على نعمائه له، عليمًا بالطائع من العاصي, والشاكر من الجاحد.

 

قال السعدي: “الشكور لا يضيع أجر من أحسن عملا، بل يضاعفه أضعافاً مضاعفة بغير عدٍ ولا حساب، ومن شُكره أنه يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وقد يجزي الله العبد على العمل بأنواع من الثواب العاجل قبل الآجل، وليس عليه حق واجب بمقتضى أعمال العباد، وإنما هو الذي أوجب الحق على نفسه كرماً منه وجوداً”.

وعطاء الله يليق بعظمته وبملكه، عطاء ليس له حد ولا عد؛ فالحسنة بعشرة أمثالها، وهذا العرض والعطاء لا يوجد إلا عند مالك الملك -سبحانه-؛ فهو يرزق وينعم دون منة ولا عوض؛ فلا يطلب عليه مقابلاً، يرزق البر والفاجر، وينعم على عبده وإن عصاه، بخلاف البشر يعطون ثم يمنون، وإذا عصيتهم منعوك، أما الشكور فمهما قدمت من قليل لابد أن يشكرك عليه ويضاعف لك الشكر أضعافاً مضاعفة:

{وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى: 23].

 

هو الشاكر -سبحانه- لمن أقبل عليه؛ يرفع قدره ويحسن عاقبته ويثني عليه، عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:

“بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ”(رواه البخاري:652، ومسلم:1914).

 

أخي الحبيب: إذا فقه المؤمن معاني اسم الله “الشكور” توجَّب عليه أن يقوم بمقتضى هذه العبادة العظيمة، وإن من أعظم الشكر لله على نعمه تحقيق التوحيد الخالص له -سبحانه-، وصرف جميع العبادة له وحده، وامتثال أمره واجتناب نهيه، وتعظيمه والثناء عليه بما هو أهله، وصرف نعمه في مرضاته.

 

إذا كان الله الشكور الشاكر يقبل القليل من العمل ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل القليل؛ فإن حظ المؤمن من هذا ألا يستصغر شيئاً من أعمال البر، ولا يحقر من المعروف شيئاً، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:

“لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ” (رواه مسلم:2626),

حتى تبسمك في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة منك صدقة، وفي الحديث:

“اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة فمَن لم يجِدْ شِقّ تَمرَة فبكَلِمةٍ طيّبَة” (رواه البخاري:6539، ومسلم:1016)،

فلا تحتقر من العمل شيئًا مهما صغر.

والناس مع نعم الله -سبحانه- بين شاكر ذاكر وكافر غافل، وأكثر الناس عن شكر نعم الله غافلون،

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [غافر:61]؛

وذلك بسبب غياب فقه أسماء الله وصفاته والعلم بمقتضياتها ومعانيها، ولو فقهها العباد لوجب عليهم أن يشكروا الله على كل نعمة.

 

وشكر النعم بالقيام بواجب العبودية للشكور -سبحانه-، والشكر لله يكون بالقلب وهو تصور النعمة، واللسان وهو الاعتراف بها، والجوارح وهو الاستعانة بها على طاعته، قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-:

“عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ, إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”(مسلم:2999),

وعن الْمُغِيرَةَ -رضي الله عنه- قال:

قام النبيُّ -?- حتى تورَّمَتْ قدَماه، فقيل له: غفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذَنْبِك وما تأخَّر، قال: “أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا”(رواه البخاري:4836، ومسلم:2819).

 

ومن شكر الله أن نشكر الناس على إحسانهم، فكثير من الناس لا يحسنون أن يشكروا خلق الله على صنائع المعروف والإحسان، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:

“لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ” (رواه أبو داود:4811، وحسنه الألباني).

 

علينا أن ندعو الله الشكور بهذا الاسم ونجتهد في الدعاء به؛ لأن شكر النعم يحتاج إلى إعانة وتوفيق من الله -تعالى-؛ فقد ورد عن سليمان -عليه السلام- أنه قال:

{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [النمل:19],

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ:

“يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ” (رواه أبو داود:1522، وصححه الألباني).

 

نسألك يا الله العون على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وعمل ما يرضيك عنا.