اختر صفحة
  • 1- تمتاز الموعظة الحسنة بسهولة عبارتها، ويسر أسلوبها، مما يجعلها أنفذ للقلوب، وأوقع في النفوس، ولذلك كثر الوعاظ من الناس، وعمّ نفعهم القاصي والداني ، والموعظة الحسنة من أعظم أساليب الدعوة أثرًا، وأكثرها ثمارًا، وأوسعها انتشارًا.

  

ولأنّ الموعظة لها أثر عجيب في تهذيب النفوس وإصلاح القلوب، فالقلوب كالأجسام يعرض لها من الأمراض والعلل ما يطفئ نورها، وقد يفقدها حياتها، وذلك بوُرودها موارد الغيّ والضلال، وانهماكها في اللذات والشهوات، والتهاون بالأوامر والنواهي، وعدم المبالاة بأنواع السوق والفجو وسيئات البدع، ونبذ الآداب الدينية والأخلاق المحمديّة.

ولا دواء لهذا الأدواء إلا مراهم الشريعة الغرّاء المركبة من أجزاء الخطب والمواعظ والإرشادات والنصائح، من الكتاب والسنة، فبهذه المواعظ والنصائح دون سواها تصح النفوس، وتسلم القلوب من المخاطر، وترجع من غيّها إلى رشدها، وتعدل عن الطريق العوجاء إلى الصراط السوي.

  • 2- عموم الخلق ينتفعون بالموعظة خاصة العوام، لذا تجد في الناس استعداداً لسماعها والإنصات إليها والجلوس حول الواعظ بدون ضجراً أو ملل، مع ما في ذلك من تعطيل لكثير من مصالحهم الدنيوية، وهذا كلّه راجع لما في الموعظة من خير وبشرى للناس، وأخذ بأيديهم إلى طريق الحق والصواب، وهداية لمنافع الدنيا والآخرة.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: «وقد كان العلماء كلّهم يذكّرون بفتاويهم وعلمهم، غير أنّ القصّاص ترسّموا بهذا الأمر لخطاب العوام، فالعوام ينتفعون بهم ما لا ينتفعون بالعالم الكبير» .

  • 3- من عظيم أثر الموعظة، أنّ الإسلام فتح البلاد والحصون بالموعظة والكلمة الطيّبة، ذلك لأنّ القلوب متى ما لانت وأذعنت انقاد لها سائر الجوارح.

وما كان الوعظ شائعًا في بيئة إلا صلحت وأصلحت، وعرف الناس المعروف وأمروا به، وعلموا المنكر ونهوا عنه، وبذلك ينزل الله تعالى رحمته وفضله، فيعمّ العلم والمحبّة والوحدة والقوة والتواضع والبذل والإيثار، إذ النفوس زاكية والعيون باكية والقلوب وجلة والألفة ظاهرة والأرواح طاهرة صافية (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).

  • 4- تعدّ الموعظة ضرورة أكيدة لحفظ الدين واستمراره وسلامة شرائعه ومبادئه، وإهمالها يؤذن بزواله واندراسه وضعفه واندثاره، ولهذا قال رسول الله ﷺ: «الدين النصيحة» فجعلها الدين كلّه.

    قال المناوي: «قال غير واحد من العلماء: هذا «الحديث» ربع الإسلام» .

          وقال النووي: «بل المدار عليه وحده».

  • 5- الموعظة من أكبر أسباب الهداية بعد توفيق الله تعالى، وقد جاء النصوص مبيّنة عظم هذا الأثر، ومن ذلك قوله ﷺ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم».

وقوله ﷺ: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر،

مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا» [1].

فلا شك أنّ الموعظة من أجل العبادات وأفضل القربات، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فإن أعظم ما عُبد الله به نصيحة خلقه» .

وقد سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله: «أي الأعمال أفضل؟ قال: النصح لله».

  • 6- الموعظة وسيلة من وسائل محاصرة الفساد ومنع انتشاره واستفحاله.

قال الغزالي: «كم من مبتعد عن الجادة تكفيه في العودة إليها نصيحة ناصح أو وصية زاجر فإذا هو راجع إلى رشاده».

فإذا أدرك المعلم والواعظ أهمية الموعظة، وعلم أنّها خطاب القرآن والسنة والأنبياء كافّة لهداية الخلق، وعلم أنّه متى أجاد هذه الوسيلة الدعوية وأحاط علماً بأركانها وشروطها وآدابها ووسائلها؛ كان ذلك سبيلاً لنجاح دعوته وانتفاع الموعوظين بها.

__________________

([1])  رواه مسلم 4/2060، كتاب: العلم، باب: من سن سنة حنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى، رقم (4831).