من أوضح الأمور الدالة على أهمية الموعظة الحسنة في مجال الدعوة إلى الله تعالى عظم مكانتها، وقوة أثرها، وتنوع أساليبها.
ومما يبين عظم مكانتها في الدين أمور منها:
- 1- احتفاء القرآن الكريم بالموعظة وعنايته بها، وهذا من أعظم الأمور الدالة على عظم مكانة الموعظة وأهميتها في الدعوة على الله.
فقد سمى الله تعالى كتابه الكريم موعظة، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).
كما كثر مجيء الموعظة في القرآن الكريم، في صور متعددة، إما في صورة النصح والتذكير، أو بضرب الأمثال، أو بإيراد القصص ومواطن العبر، أو بالترغيب والترهيب، إلى غير ذلك من الصور التي سبق ذكر طرف منها.
وجاء الأمر الصريح من الله عز وجل في كتابه الكريم باستعمال الموعظة في الدعوة إلى الله تعالى، فقال جلّ جلاله: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) وقال سبحانه: (وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) وقال عز من قائل: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ).
- 2- احتفاء السنة المطهرة بالموعظة الحسنة، قولًا وفعلًا ، فقد ثبت أن النبي ﷺ كان يُباشر الموعظة، ويتخوّل أصحابه بها، فكان يعظ الناس في الجمع والأعياد، وفي الاستسقاء والنوازل وغيرها من المواطن، يعظ الكبير والصغير، العالم والجاهل، الرجل والمرأة.
كما كان ﷺ يحثّ على تذكير الناس ونصحهم ويرغّب في ذلك، ويجعله من مهمّات الدين ولوازمه، حيث جعل النصيحة أساس الدين، فقال: «الدين النصيحة» والنصيحة مرادفة للوعظ كما سبق بيانه.
ومن ذلك مبايعة النبي ﷺ الصحابة عليها، كما في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «بايعتُ رسول الله ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم».
- 3- الوعظ هو وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ومن على سننهم من العلماء العاملين والهداة الراشدين والعظماء المجاهدين، فقد اختار الله لهذه المهمة خيرة خلقه وصفوة عباده، فإنهم إنما بُعثوا لهداية العالم وسنّ طريق السعادة للناس في الدارين بتعليمهم عند الجهالة من الغفلة، ووقفهم عند حدود الأدب عند التمرد لينقذوهم من حضيض الجهل والرذيلة على ذروة العلم والفضيلة.
فأخبر تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وعن هود عليه السلام قوله: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ).
- 4- الوعظ مسلك السلف رحمهم الله في استكمال تربيتهم لأنفسهم، ولهذا فاضت سيرهم بالقيام بهذا الركن من أركان بيعتهم الإيمانية، فكانت عنايتهم بالوعظ كبيرة جدًا، فكم نقلت إلينا كتب التراجم والرقائق مواعظهم التي فتحت القلوب المقفلة، وألانت الأفئدة القاسية، ونقلت الأنفس من غياهب الجهل والرذيلة إلى أنوار العلم والفضيلة.
قال صاحب المنار: «فالنُصح العام -أي الوعظ – ركن من الأركان المعنوية للإسلام، به عَزّ السلف وبزوا، وبتركه ذل الخلف وابتزوا».
- 5- وممّا يدللّ أيضًا على عظم مكانة الموعظة أنها من سمات المجتمع الإيماني وميزاته التي تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى ، قال تعالى: (ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وقال جل شأنه : (ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
- 6- الموعظة خصيصة من خصائص المتقين يتناصحون بها وينتفعون، قال تعالى: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) وقال عز من قائل: (هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) وقال تعالى: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) وقال عز وجل: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ).
- 7- تعد الموعظة الحسنة من أبلغ وأفضل صور التواصي بالحق الذي وصف الله به عباده المفلحين حيث قال: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).