إلى المعلقة قلوبهم بالمساجد
«لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ»
الحمد لله.. وبعد :
أعلم أنه ليس شيء أشد عليكم من منعكم من المساجد، كيف لا؛ وهي محل أنسكم وموقع انشراح صدوركم وموطئ اطمئنان نفوسكم وميدان رباطكم.
كيف لا؛ وأنتم تدخلون إليها بقلوبكم قبل أبدانكم، وتجلسون فيها بأرواحكم وتنعمون فيها بضيافة مولاكم سبحانه وتعالى.
كيف لا؛ وفيها راحتكم، وكل من قطع عن راحته فهو في حزن وألم حتى يعود إليها.
أدري أن قلوبكم تتقطع وعيونكم تدمع -أو تكاد- عندما تسمعون المنادي ينادي: هلموا إلى الصلاة، فتعجزون عن الذهاب إليه، ويحال بينكم وبين إجابة ندائه. وقد كنتم تسبقونه وأحياناً يسبقكم .
أتوقع أنكم تصلون في بيوتكم وقلوبكم تتفطر ألما ونفوسكم تتقطع حسرة، لا لشيء؛ إلا لأنها معلقة بالمساجد.
هنيئا لكم هذا الألم وتلك الزفرات والعبرات.
هنيئا لكم هذا الحرمان. نعم! هنيئا لكم؛ فقد زادكم قربة من الله -نحسبكم- إذ توليتم وأعينكم تفيض من الدمع حزناً ألا تجيبوا، حزناً ألا تأخذكم أقادمكم إلى حيث سكنت قلوبكم.
هنيئا لكم هذا الشعور وهذه الأحاسيس فقد ترفع درجاتكم من حيث لا تشعرون، لأن التي هي لأجله يعلمها ويحفظها لكم.
علم الله ما في قلوبكم فأثبته لكم وقبله منكم، لأنه يعلم ما في الصدور ويثيب على ما في القلوب.
يا أيها الذين علقت قلوبهم بالمساجد: لن تنقطع أجوركم ولن تذهب أحزانكم ولن تضيع نياتكم وأنتم تعلمون أنه: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ).
وأنه: ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدي قلبه والله بكل شيء عليم، ولكم -نعم لكم- هذه البشارة التي تبشرون بها أهل المصائب من أهل الدنيا فأنا ابشركم بها؛ لأن صبىركم يفوق صبر من فقد شيئا من الدنيا: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ».
وأذكركم بـقوله تعالى: «إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ»
وهي فرصة لكم لتعرفوا فضل الله عليكم، وماكنتم فيه من نعيم وما أنتم عليه من سعادة ولذة.
فرصة لتضاعفوا الشكر والثناء على الله على ما خصكم به، وتعرفوا قدر النعمة عند فقدها فتزدادوا رضاً واطمئناناً وحباً وتعلقاً وصبراً.
أيها المعلقة قلوبهم بالمساجد، وإن صليتم في بيوتكم، فالله يعلم بكم وبما في قلوبكم «وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ».
ومن عجيب فضل الله عليكم أنه مع التزامكم بالإجراءات الاحترازية وبقائكم في بيوتكم، يكتب لكم أجر ماكنتم عليه من الخير «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ»
وقريباً -بإذن الله تعالى وبفضله ورحمته- تسكن روحكم إلى محل راحتكم، وتستقر نفوسكم في موضع سروركم، وتصف أقدامكم في بيت موالكم وحبيبكم.
فلا يكن في قلوبكم إلا رضاً وتسليماً «وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»
«وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا»
ولن يطول بعدكم وفراقكم بإذن الله تعالى.