إنه القلب
ليس مجرد مضغة لحم أو مصب للدم ومورد له إنه أكبر من ذلك ، إنه القلب رمزا للحياة وعلامة عليها في الدنيا وهو سبيل النجاة يوم القيامة إذا كان سليما.
إنه حقيقة الإنسان وصورته الباطنة ، إنه القلب الذي يحمل فيه أغلى الجواهر وأثمن المكنوزات فيه الإيمان واليقين والإخلاص والتوكل والحب والرأفة والرحمة والسعادة ونحوها من المعاني العظيمة.
وبقدر ما فيه من الإيمان والخشية تكون المنزلة عند الله تعالى وبما فيه من صلاح النية وقوة العزيمة ترتفع الدرجات وإن تعذر عمل البدن.
فعندما علم الله بما في قلوب المؤمنين من الإيمان واليقين والصدق كافأهم في الدينا والآخرة كما قال الله تعالى :{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)} [الفتح: 18، 19] قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره:
}فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة، من صدق النية، والوفاء بما يبايعونك عليه، والصبر معك[1]{ تأمل عظيم الجائزة على رأسها الرضا منه سبحانه وتعالى عنهم لما علم ما في قلوبهم.
فبقدر ما تعظم النية وتخلص لله تعالى بقدر ما يكون الثواب أعظم
وبالمقابل بقدر ما يكون في القلب من الدغل والخبث وسوء القصد وفساد النية بقدر ما يزداد سخط الله – والعياذ بالله – وتنزل مكانة الشخص ولذلك فأصل فساد المنافقين ومرضهم وعلتهم الحقيقة في قلوبهم.
فالقلب هو المقياس والحقيقة فالذي يرغب في الارتقاء في سلم الوصول إلى الدرجات الرفيعة عند الله عليه الاعتناء بقلبه وليحرص كل الحرص على ما يصلح قلبه ويقويه وليجتنب ما يفسده ويمرضه بكل قوة.
ومما يعين على صلاح القلب وقوته: القرآن: فليس أنفع للقلب من القرآن شفاء وتطهيرا وقوة وصلاحا وإيمانا ويقينا ومحبة لله وتعلقا به وتوكلا عليه ورجاء ما عنده ثم الدعاء فبالدعاء تطلب حاجات الدنيا والآخرة فإن لم يكن أعلاها وأولاها صلاح القلب وثباته فلا خير فيها ولذا صح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أن كان كثيرا ما يقول في دعائه:” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك “[2] فثبات الإيمان في القلب من أعظم النعم وأجلها فزواله فساد الدنيا والآخرة، ومما يعين على صلاح القلب وقوته التزود بالطاعات والإكثار من النوافل ومن أهمها الذكر والصلاة والصدقة ومما يعين على ذلك أيضا التحرز من مفسدات القلوب ومسببات فساده والإبتعاد عنها فلا يغامر المرء بقلبه فليس الأمر بيده ويزداد الأمر تأكيدًا في زمن كزماننا الشبهات قوية والشهوات لا أول لها ولا آخر ولا مانع ولا حاجز والرقيب ضعيف أو لا يوجد فلا تسلم قلبك إلى موطن تنزلق فيه الأقدام وتتوه فيه الأفهام وترتعد فيه فرائص الأفكار وتهتز فيه جبال الألباب فالشبهة إذا دخلت ولم تجد ردا عَلُقت وربما غُرست وربما أنبتت وربما أثمرت وربما أهلكت فاجتنب لصلاح قلبك موطنا فيه الشبه تثار أو الشهوات تدار واعتصم بكتاب الله وأوي إلى بيته واعتزل ما كان الاعتزال اَحفظ لقلبك وأقوى لدينك ولا تتساهل فتغدو مع من اُفتتُن ثقة بنفسك واعتمادا على رأيك فالميدان له أهله وبقاء رأس المال خير من الدخول في صفقة احتمال الربح فيها ضعيف بل ذهاب رأس المال فيها احتمال قوي ووارد.
ومما يفسد القلب ويضعف قوته الإيمانية المعاصي مهما صغرت أو كانت في عين العاصي صغيرة فما من معصية إلا وتضع أثرا على القلب فاجتهد في اجتنابها وإن لمَمت بشيء منها فبادر بالتوبة والاستغفار حفاظا على قلبك وحماية لإيمانك.
القلب أغلى وأهم عضو في جسم الإنسان فاهتم به بقدر أهميته وحافظ عليها بقدر حرصك على سلامتك.
اللهم احفظ قلوبنا وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن
___________________________________________
[1] تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (22/ 227)
[2] ) رواه الترمذي رقم ( 3522 ) وصححه الألباني رحمهم الله تعالى .