اختر صفحة

حرص المتأخّر من السلف على الاقتداء بالمتقّدم منهم، ويشهد لذلك أمورٌ منها:

1- ما أُثِر عن بعضهم من أقوال تدلّ على فضيلة التأسي بالسلف:

– كقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من كان منكم مستنّاً فليستنّ بمن قد مات، فإنّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب رسول الله ﷺ ، أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلّها تكلّفاً، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه  ﷺ ، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنّهم كانوا على الهدى المستقيم».

2- اتفاق السلف رحمهم الله المتقدّم منهم والمتأخر على منهج واحد:

فالسلف رحمهم الله على مدّ عصورهم وتباعد أقطارهم، كانوا على منهج واحد، في الدعوة والعقيدة وأصول الدين، وذلك ليس بغيب لأنهم ينهلون من معين واحد ويعتمدون على رافد واحد لمعرفتهم وهو الكتاب والسنّة.

ولذلك تجد اتفاقهم في أصول الوعظ ومنهجه، بل هم متفقون في أساليب الوعظ ووسائله، ومن وقف على مواعظهم علم ذلك بالاضطرار.

3- تشبّه بعضهم ببعض في السمت والهدي والأخلاق والفضائل:

فكان الواحد منهم حريصاً على أخذ الأدب والفضل والخلق من شيخه قبل أن يأخذ منه العلم، ولذا تجد منهم عزوفاً عن أخذ العلم ممن ساء خلقه وقلّ أدبه، وإن عَلَت رتبته في العلم والسماع، فقد أُثِر عن إبراهيم النخعي أنّه قال: «إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يدك منه» يشير بذلك إلى تلازم العلم والعبادة والأدب.

4- سؤال بعضهم بعضاً عن مسائل الزهد والرقائق:

كان في السلف حرص شديد على تذاكر أبواب الزهد والرقائق، سعياً منهم للاستزادة من هذا الباب العظيم، الذي يعدّ من أعظم أبواب العلم لتعلّقه بالقلوب والأرواح.

ومن أمثلة ذلك:

– قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لسفيان بن عيينة: «يا أبا محمد! أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: من إذا أنعم الله عليه نعمة فشكرها وابتلي ببليّة فصبر فذلك الزهد..

 قلت له: يا أبا محمد فإن أُنعِم عليه بنعمة فشكر وابتلي فصبر وهو ممسك للنعمة، كيف يكون زاهداً؟ قال: اسكت، فمن لم تمنعه البلوى من الصبر والنعمة من الشكر فذلك الزاهد».