بسم الله الرحمن الرحيم
تفاءلوا ولا تطيّروا
النفوس تكبلها قيود الظنون أشد من قيود الحبال ، وكلما ساءت ظنون الشخص بمن حوله وبمن معه وبما هو فيه وبماضيه وحاضره كلما حكم على نفسه بالضيق والضجر والحزن والمعاناة وأدخل نفسه في حالة صعبة تزداد سوء بعد سوء
وليس في الأماكن والأوقات قدرة على جلب نفع أو دفع ضر فمهما تعلقت النفوس وتطيرت بها فلن تعدو قدرها فتفاءلوا ولا تشاءموا ولا تطيروا فإنه : «لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد» (1).
فالظنون السيئة تقلب الحياة وتجعل الجميل قبيحا والسعيد تعيسا والممكن مستحيلا
فتفاءل واصنع التفاؤل وانشر التفاؤل واجعل من بصيص النور بابا واسعاً من التفاؤل ومن خيط الأمل نسيجاً فسيحاً يملأ ما حولك أملا.
فالمتفائل قرير العين هادئ البال يعيش سعيداً ويعطي من حوله جرعات سعادة من حيث لا يشعرون فمعه تحلو الأوقات وتطيب اللقاءات
فالتفاؤل بلسم على جرح وضمد فوق ألم وشفا لعليل وروى لغليل ويرفع الهموم بإذن الله تعالى.
تفاءلوا فزماننا لا تنقصه الهموم والآلام والأحزان.
تفاءلوا فالنفوس يكفيها ما تعيشه من أحداث يومية فلا تكونوا عامل إحباط ومعول إفساد .
التفاؤل من الإيمان فلذلك جاء النهي الصريح عن التشاؤم والطيرة فالكلمة الحسنة والتوقع الحسن والأمل الطيب والنظر الإيجابي تدفع النفس نحو الإنجاز وتقتل سوء الظن وتعين على الصعاب.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة الطيبة» وصح عنه أيضا «لا طيرة وأحب الفأل الصالح» روى ذلك أحمد، والبخاري ومسلم وغيرهم (2).
فالتفاؤل يثمر حسن الظّنّ بالله تعالى، ويجلب السّعادة إلى النّفس والقلب، ويعتبر ترويح للمؤمن وسرور له، وفي الفأل تقوية للعزائم ومعونة على الظّفر وباعث على الجدّ، ,أهم ما في التّفاؤل أنه اقتداء بالسّنّة المطهّرة وأخذ بالأسوة الحسنة حيث كان المصطفى صلّى الله عليه وسلّم يتفاءل في حروبه وغزواته” (3).
تفاءلوا فرحمة الله واسعة وما عند الله خير وأبقى والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
تفاءلوا حتى لا تتوقف الحياة ولا يسيطر اليأس ولا يقنط الناس ولا يعجر الثقة ولا يسقط القدوة وتنهار القوى ويغلب الشر
تفاءلوا فما أصابكم لم يكن ليخطئكم وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، ولن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم.
تفاءلوا ولا تيأسوا فإنه : ” {لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف: 87]
تفاءلوا ولا تقنطوا فإنه لا: ” {يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56]
وإن مما يذهب التشاؤم من النفوس صدق التوكل على الله عز وجل وحسن الظن به ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا التي تثمر معرفتها في القلوب حسن الرجاء والتفاؤل وصدق الإعتماد عليه سبحانه والثقة في رحمته.
وإن مما ينبغي أن يتنبه اليه المسلم حال المصائب والمكروهات أن يبحث عن أسبابها وموجباتها ومن أعظمها الذنوب والمعاصي، فإن من شؤمها ما يصيب المؤمن مما يكرهه من نوائب الدنيا فبدلاً من أن يلقي بالمصائب على يوم أو مكان أو شخص معين يتشاءم به فإن الأولى بالتشاؤم هو ذنوب العبد ومعاصيه فإن لها شؤم على فاعلها وعلاج ذلك التوبة النصوح من الذنوب فإن هذا هو الباب إلى رفع شؤمها وعقوباتها في الدنيا والآخرة
نسأل الله عز وجل أن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
[1] ) صحيح البخاري (7/ 126) ورواه مسلم .
[2] البخاري ( 5424 ) ومسلم ( 5440 ) .
[3] نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم- بتصرف – (3/ 1049)