اختر صفحة

شهر الله المحرم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

لله – في خلقه – شؤون ، وله – في أمره – حكمة وتدبير ، يفضل بعض خلقه على بعض؛ أزمنة، وأمكنة، وأشخاصا، وساعات، وليالي، و{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4].

فالله تبارك وتعالى { {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] فاختار من الأشهر أربعة فجعلها حُرم { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} ومن الأربعة شهر محرم.

{ شهر الله }كما سماه النبي الكريم – صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين – وأفضل الصيام – بعد رمضان – صيامه، وعاشوراء يوم منه صيامه يكفر سنة ماضية.

{ شهر الله } أشتهر في الجاهلية بأنه محرم فلا قتال ولا نزاع ولا سفك للدماء ولا تعدي على الحرمات حتى إن الرجل كان يرى قاتل أبيه فيمسك عنه احتراما لحرمة الشهر ويكظم غيظه تأدبا مع الشهر ، فجاء الإسلام فزاد الأمر تأكيداً والحرمة تأصيلا.

{ شهر الله } عظمته العرب في جاهليتهم فجاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم فعظمه حتى كان يصوم أغلبه وقال { أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم } (رواه مسلم 1982) وفوق ذلك وقبل ذلك عظّمه المولى تبارك وتعالى وجعله من الأشهر الحرم الأربعة فقال تعالى : {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ } [التوبة:36].

{ شهر الله } الذي يُحترم ويُعظّم : طاعة لله، وامتثالا لأمره، ووقوفا عند حدوده، واتباعا لنبيه صلى الله عليه وسلم

{ شهر الله } الذي جعله الله حرما لاجتناب المحرمات والابتعاد عن المنكرات وتوقفا عن الهفوات وانصرافا عن الشهوات وتخليا عن المسوّدات.

{ شهر الله } المحرم الذي يبتدأ به العام وتنطلق منه السنة انطلاقةً حازمة مع النفس والهوى بأنه المحرمات لا تصلح في السير إلى الله ولا زادا لبلوغ منازل السالكين ومراتب الصالحين فيعقد العزم على السير الصحيح والمشي السليم.

{ شهر الله } غرة السنة الهجرية ومفتاح العام وهو من الأشهر الحرم التي اختارها الله تعالى وخصها ليكون العبد سائرا إلى ربه وقد جعل أمامه حاجزا بين النفس وهواها وبين القلب وميوله من بداية الطريق ومع إطلالة العام فلا يطلق العنان ويرخي الستار بل يأخذ بالحزم حتى لا يقع في الردى.

{ شهر الله } شهر النجاة والفوز ففيه نجا الله موسى عليه السلام وقومه وقد أيقنوا الهلاك فالعدو من خلفهم والبحر من أمامهم حتى سيطر اليأس على قوم موسى عليه السلام غير أن الثقة بالله هي الفيصل فكانت النجاة بوحي من الله ليعلمنا أن لا نجاة للعبد إلا باتباع الوحي.

{ شهر الله } شهر عظيم مبارك شريف القدر رفيع المنزلة عالي المكانة فيه عاشوراء يوم القضاء على أكبر طواغيت الأرض وفرعون الدهر الذي أعلن نفسه ربا لقومه فيدعوك للقضاء على طاغوت الهوى وفرعون النفس الذي يجرك إلى الضلال ومسالك الخسران

{ شهر الله } من الأشهر التي { فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ } ولله فيه وفي باقي الأشهر الحرم نهي عام { فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} بالمعاصي والآثام والتعدي على حقوق الآخرين وحرماتهم فالمعصية حرام وتزداد حرمتها في هذه الشهور لما خصها الله به من حرمة، فمن دعته نفسه للمعصية في هذه الأشهر الحرم ومنها { شهر الله المحرم } فليعلم أن وزرها أكبر وإثمها أشد فللشهر حرمته وللزمان خصوصيته.

{ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } فلستم – والله – بقادرين على تحمل نتائج هذا الظلم وعواقب هذا البغي ، ولستم – والله – بمأمن من العقاب ولا بمنأى عن المؤاخذة.

{ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } فالظلم ظلمات يوم القيامة ويزداد ظلمة أن يكون في الأشهر الحرم ظلمات {بعضها فوق بعض }.

{ شهر الله } فاجعله لله واتقِ الله فيه وراقب الله واحترم حدود الله وإياك والاستهانة بحرمته والتهاون في حقه والغفلة عن تعظيمه .

{ شهر الله } المحرم شهر الصلح والتصالح والطاعة وإيقاف النفس عن نزغات الشيطان ونزعات الهوى فتتوقف فلا تستمر فيه أحقاد وثارات بل وتعلن رايات السلام ولقاءات الأمان وتسود فيه الرحمة والألفة لتعود الحياة إلى طبيعتها وجمالها وهدوئها وتبدأ مسيرة العام بسلام.

{ شهر الله } تعظيمه علامة على التقوى قال المولى تبارك وتعالى { ومن يععظم حرمات الله فهو خير له عند ربه } فهو من الأشهر الحرم في كتاب الله.

{ شهر الله } يدعوك لتعظيم حرمات الله والتقرب إلى الله والإكثار من الطاعات فهو موسم من مواسم الطاعات

والقربات فلا يشغلنك عن الموسم أحد فمن فاته الموسم متى يربح ؟

{ شهر الله } يا عبدّ الله أكرمك الله بشهوده وأنعم عليك بحضوره فالشكر على هذه النعمة يلزمك وهو بالقول والعمل وليكن الدعاء سلاحك وطريقك لطلب التوفيق.

والله المرجو أن يعين ويهدي إلى سواء السبيل

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

والحمد لله رب العالمين .