اختر صفحة


«لا تتبعوا خطوات الشيطان»

الشيطان عدو مُعلن العداوة، ومتربص ينتظر الفرصة ؛ليهجم. لا يكل ولا يمل، و لا يجد فرصة لإغواء بني آدم إلا وانتهزها. لا يستثني في حربه أحدًا من بني آدم؛ فأبوهم عدوه الأول، وقد أقسم- لعنه الله- فقال:” {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82].

ومن هنا كان الحذر منه ومن طرقه وأساليبه وحربه أمرا ضروريا لمن أراد النجاة والسلامة من كيده في الدنيا والآخرة. وقد جاء القرآن بكل ذلك حيث بيّن عداوته وتربصه وحرصه على الإيقاع ببني آدم في شباكه ومسالكه، ودعا إلى منابذته، وعدم اتباعه، والحذر من أساليبه وطرقه.ومن ذلك النهي عن اتباع خطواته؛ ليكون المسلم على حذر وعلى علم بعدوه، ومن شرط العداوة المعلنة أن تكون حذرا منتبها يقظا.

وإن من أخطر الأساليب الشيطانية أن يتدرج مع الإنسان فلا يوقعه في فخ الكبيرة إلا وقد مر بالصغائر، ولا يوصله إلى الشرك إلا وقد تلبس بالكبيرة، ولا يخرجه من الطاعة والحرص عليها إلا وقد شغله بالمباح، ولا يثقل عليه الواجب إلا وقد زرع فيه التهاون بالمستحب، وهكذا… بل ينقلك من خير فاضل إلى خير مفضول إذا عجز عن نقلك للشر فينقلك لخير أقل منه فائدة وثمرة.

فلذا وجب على العاقل الذكي أن ينتبه من أول الطريق ومن الخطوة الأولى، فلو بدأ واستسلم فإنه لا يدري أين سينتهي؟

فخطوات الشيطان تنقل المرء إلى أبعد مما يتصور، وما لا يخطر على بال!

فالخطوة تجر أخرى، والكلمة تسحب أختها، والنظرة تتبعها نظرات مالم يكن المرء حازما مع نفسه مراقبا لتصرفاته، وإلا فقد يقع في كيد الشيطان وحبائله وهو لا يدري! نعوذ بالله من ذلك!

وقد جاء النهي في القرآن الكريم عن اتباع خطوات الشيطان في أربعة مواضع:

–  الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168] قال الإمام ابن جرير الطبري  رحمه الله تعالى في تفسيرها:” ودَعوا خُطوات الشيطان – الذي يوبقكم فيهلككم، ويوردكم مَوارد العطب، ويحرّم عليكم أموالكم – فلا تتبعوها ولا تعملوا بها”[1] فخطوات الشيطان تكون في تحريم ما أحل الله، وفي تجاوز الحد في الحلال بالإسراف، والبطر، وعدم الشكر، وعدم تأدية الحقوق المتعلقة بالنعمة.

–  الثاني: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208 “هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا {فِي السِّلْمِ كَافَّةً} أي: في جميع شرائع الدين يستسلموا لها، ولا يتركوا منها شيئا، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه، تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعا للدين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال الخير، وما يعجز عنه، يلتزمه وينويه، فيدركه بنيته.

ولما كان الدخول في السلم كافة، لا يمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان قال: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} أي: في العمل بمعاصي الله {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} والعدو المبين، لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء، وما به الضرر عليكم”[2].

– الثالث: قوله تعالى: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام: 142] {كلوا مما رزقكم الله} أي: من الثمار والزروع والأنعام، فكلها خلقها الله [تعالى] وجعلها رزقا لكم، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} أي: طرائقه وأوامره، كما اتبعها المشركون الذين حرموا ما رزقهم الله، أي: من الثمار والزروع افتراء على الله”[3].

– الرابع: قوله تعالى: ” {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21]:”هذه الآية نزلت بعد العشر الآيات المتقدمة التي في قضية الإفك – في سورة النور- مشير إلى أن ما تضمنته تلك الآيات من المناهي، وظنون السوء، ومحبة شيوع الفاحشة كله من وساوس الشيطان، فشبه حال فاعلها في كونه متلبسا بوسوسة الشيطان بهيئة الشيطان يمشي والعامل بأمره يتبع خطى ذلك الشيطان”[4] .

لذلك كان الحذر من اتباع خطوات الشيطان أمرا لازما وصارما؛ فبداية الانحراف قد تكون كلمة، وبداية السقوط-والعياذ بالله- قد تكون جلسة عابرة، وقد تكون موافقة صحبة، وقد تكون تساهلا في أمر، بل قد تكون في خاطرة تخطر على البال، وفكرة تجري في القلب؛ فيجري معها المرء ويصدقها:” فعلى الإنسان أن يلتفت إلى خواطره ويضع لها ميزانا، فإذا مالت نفسه إلى بذل المال لمصلحة عامة، أو عرض له سبب معاونة عامل على خير، أو صدقة على بائس فقير، فعارضه خاطر التوفير والاقتصاد، فليعلم أنه من وحي الشيطان، ولا ينخدع لما يسوله له من إرجاء هذا العطاء لأجل وضعه في موضع أنفع، أو بذله لفقير أحوج، وإذا همّ بدفاع عن حق أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر فخطر له ما يثبط عزمه أو يمسك لسانه، فليعلم أنه من وسواس الشيطان”[5].

فاستعن بالله على الشيطان، وحصّن نفسك منه بالتحصينات الشرعية من الأذكار والمحافظة على الطاعات، والاستعاذة بالله من شره وشركه.

اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين، ونعوذ بك ربنا أن يحضرون!

والحمد لله رب العالمين.
___________________________

[1] ) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/ 300)

[2] ) ] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 94)

[3] ) تفسير ابن كثير ت سلامة (3/ 351)

[4] ) التحرير والتنوير (18/ 186)

[5] ) تفسير المنار (2/ 71)