اختر صفحة

لا تخدع نفسك!

الخداع مذموم – إلا في الحرب – وقبيح ويزداد قبحا كلما كان مع القريب، ومن أمِن جانبك، ووثق فيك. وأسوأ الخداع أن يخدع المرء نفسَه

والخداع والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا، ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده[1]

وإذا كان خداع الناس من الأعمال القبيحة الدنيئة، فإن خداع النفس أسوأ وأقبح. وإن من

صور الخداع للنفس ما يرتكبه المسلم من معصية وهو مقر بتحريمها، مستشعر بضررها، ويمني نفسه بأنه سوف يتوب يوما ما أو إذا ما وصل إلى حد من العمر أو من إشباع الرغبة فإنه سيقلع عنها، وما درى أنه ‘نما يخدع نفسه ويلعب بها، وإلا فمن يضمن له أن يستطيع حينها أن يتوب ومن يضمن له أن يبقى إلى ذلك الموعد الذي ضربه لنفسه؟!

والذي يقطع رحمه ويهجرهم – مثلا – ويبرر لنفسه بأنهم وأنهم وفيهم وفيهم إنما يخدع نفسه، فالواجب عليه لا يسقطه حالهم، ولا يعفيه وضعهم، ولا يبرره موقفهم .

والذي يماطل بحقوق الناس وأموالهم؛ من أجور عمال وديون تجار ونحوهم بحجج واهية ومبررات غير مقنعه، إنما يخدع نفسه فهي في ذمته ولو كان الآخرون أصحابها في غنى عنها أو في وضع لا يستطيعون المطالبة بها فحق الآخرين لا يسقطه إلا أصحابه .

ومن أعجب ما يخدع به البعض أنفسهم أنهم لا يؤدون الصلاة، أو لا يحافظون عليها ويتساهلون في أمرها، ويقنعون أنفسهم ويخادعون ضمائرهم بأنهم في قادم الأيام! ومستقبل السنين سيحافظون عليها ، فلا تدري تعجب من ثقتهم ببقائهم في قادم الأيام أم تعجب من تفريطهم وهم قادرون عليها الآن! ولا يسقط واجب اليوم مهما كان القادم جميلا .

وتعجبَ أيضا من مخادع لنفسه إلى درجة السخافة من ظنه نفسه في أنه ينجو من الفتن، وهو يعرضها لفتنة النساء أو فتنة المال أو فتنة الشبهات، ويخادع نفسه أنه أقوى من الفتن ولا يفيق إلا على الفاجعة هذا إن فاق !!.

وينشأ الخداع عن أمور منها : ضعف في الإيمان وسيطرة الهوى وقوة شهوة النفس، وأمراض القلوب من كبر وحسد وحب الدنيا .

ويعالج هذا المرض : بالحرص على تقوية الإيمان بالأعمال الصالحة، والإكثار من قراءة القرآن، وتدبره، والنوافل، والبحث عن الصحبة الصالحة، والرضا بما قسم له من الرزق، والاستعاذة بالله من الصفات السيئة والأخلاق الرديئة والتوجه إلى الله بالدعاء بصلاح النفس وتزكيتها وإنشاء هم الآخرة وتذكر الوقوف بين يدي الله عز وجل يوم تبلى السرائر ويحصل مافي الصدور.

والخداع درجات أعظمه وأقبحه خداع المنافقين كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ) النساء: 142

وهم كما قال الله تعالى (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) البقرة: 9

فهم يظهرون الإسلام ويؤدون الشعائر وفي داخلهم كفر وبغض للإسلام وأهله والله مطلع عليهم شاهد على ما في قلوبهم .

والمرء متى ما تدرج في سلم الخداع فلا يأمن على نفسه أن يصل إلى أسوأ درجة فيه! فليبادر بالوقوف مع النفس وقوفا حازما مادامت في السيطرة والقدرة؛ فقوة العزيمة وصدق التوبة تسهل عليه الصعب، وتهون عليه المستحيل فليعزم وليتوكل على الله {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]

                    وصلى الله على نبيه وآله وسلم

والحمد لله رب العالمين

_________________________

[1] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 42)