اختر صفحة


لـــــــــــــذة العفاف

للشهوة المحرمة لذة

وإلا مَن يُقدم عليها لو كانت بلا لذة ؟!!

غير أن لذتها تعقبها حسرة عاجلاً أو آجلاً وأقل ما فيها -لمن في قلبه بصيص إيمان- أنها تملأ صدره وقلبه ضيقاً وحرجاً ويقض مضجعه تأنيبُ ضمير ولوعة عتاب يضيّق عليه حياته أو بعض الوقت

فشهوة النظر– مثلا- لها لذة لا تتجاوز ثواني لكن فضيلة غض البصر لذتها أعظم وأطول وعاقبتها أسلم وأنعم، والمال الحرام له لذة ونشوة لكن عاقبتهُ وخيمة، ولذة التعفف عن المال الحرام أعظم وأطيب.

فكما أن هناك لذة للشهوات هناك أيضا لذة أعظم منها للطاعات والعبادات لا يعلمها ولا يعرف وصفها إلا من ذاقها فالمناجاة لها لذة والانشغال بالذكر والمداومة على الطاعة وطلب العلم وغيرها من الطاعات لها لذات عجيبة تفوق لذة الشهوات ويكفيها فضلاً أن يُقال في حقها أنها لذة توصل إلى الله والدار الآخرة وتلك لذة تقطع الطريق إلى الله والدار الآخرة.

وعموما فإن اللذة المحرمة سبب رئيس للإقدام على الحرام والجرأة على ارتكاب المعاصي وكثير ممن يبحث عن المعاصي إنما يبحث عن اللذة ويريد السعادة كما يزعم وينسى أو يغفل عن لذة الترك والتعفف عن الحرام.

والسبب أن لذة العفاف والترك تخالف الهوى والنفس وأنها قد لا تكون مباشرة ولا يشعر تاركها بها مباشرة.

لكن القلب المتصل بالله والذي يعلم بيقين أن الله تعالى يراه ويعلم مكانه وزمانه يستهين بلذة الحرام ويهرب منها ويجاهد نفسه ما استطاع على تركها والابتعاد عنها ومتى ما تعففّ المرء عن الحرام وجد عونا من الله وتوفيقا وانشراح صدر ورضا نفسٍ وصلاحَ بال.

والعفاف عن الحرام أيًا كان هذا الحرام سواء ما يتعلق بالنساء أو بالأموال أو بالملذات من المآكل والمشارب الممكن حصوله والمقدور عليه، إذا كان في القلب خوف من الله ومراقبة له ويقين بما عنده سبحانه وتعالى وإذا كان في الوجه حياء وفي النفس عزة وفي البيت تربية وفي المجتمع غيرة.

فالعفاف متى ما كان مبدأ وقيمة يتربى عليه المجتمع والجيل يصبح الصعب سهلاً فإذا كان من الصعب أن ينجو رجل من فتنة النساء وخاصة إذا تهيأت الظروف وأمن العقاب ووجد دعوة ورغبة عند الطرف الآخر فقد صار هذا الصعب ممكنا في مسيرة الحياة، وقد ظهرت نماذج للعفاف في مواقع ومواقف يظنها البعض صعبة جدًا وعلى رأس هذه النماذج نبي الله يوسف عليه السلام وحادثة امرأة العزيز وحرصها على إغوائه غير أن العفاف كان حاجزاً ومانعاً وحارساً حتى جعله يُفضّل السجن على الفتنة.

وإذا كان من الصعب على النفس أن تتعففّ عن المال الحرام وخاصة مع حاجةٍ وفاقة وعدم الرقيب وسهولة الوصول إليه والحصول عليه فقد سطّر لنا التأريخ في مسيرة الحياة نماذج كثيرة وفي أماكن وأزمنة مختلفة عن أمثلة جعلت الصعب سهلاً وكان التعفف عن الحرام- مهما كان هذا الحرام مغرياً- ممكناً بل وسهلاً.

فالمتعفف بلغ مرتبة من سيطرته على نفسه وغلبته لشهوته ما يهون عليه بعد ذلك الوقوف أمام المغريات وتحدي الصعاب وتجاوز العقبات لأنه سيطر على شهوته وقهر نفسه قهراً انقادت معه لما يريد لا لما تريد وكان سيّد نفسه لا عبداً لشهوته وأسير لذّته.

ومن الأسباب المعينة على العفاف: الرفقة الصالحة والمحافظة على الطاعة والمداومة على القرآن والدعاء فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه ابنُ مسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ إِنِي أَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعفَافَ، والغنَى ” رواهُ مُسْلِمٌ.

وللعفاف ثمرات في الدنيا والآخرة منها: “حفظ الجوارح عمّا حرّم الله، وقيامها بما خُلقت له، وحفظ الأعراض وصيانتها، ولذّة النّعيم في الآخرة، ونظافة المجتمع من المفاسد والمآثم، وإشاعتها في المجتمع تجعله مجتمعاً صالحاً، وهي دليل على كمال النّفس وعزّها، وصاحبها مستريح النّفس مطمئنّ البال”[1].

فليتق الله المسلم؛ خاصة وأنه في شهر حرام.

قال الشيخ السعدي رحمه الله عند قوله (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)، والظلم فيها أشد منه في غيرها[2].

اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها

اللهم ارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

والحمد لله رب العالمين

_______________________________

[1] ) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (7/ 2888) بتصرف .

           

[2] ) صـ 331 .