اختر صفحة

1- الرِّفق

الرفق اصطلاحاً: «هو لين الجانب في القول والفعل، والأخذ بالأسهل والأيسر، وحسن الخلق، وكثرة الاحتمال، وعدم الإسراع بالغضب والتعنيف».  

 ومن المعاني المرادفة للرفق:  المداراة، غير أنّ المداراة تُطلق على الرفق واللين إذا كان فيهما مدافعة؛ كتعليم الجاهل، ونهي الفاسق.

قال ابن بطال: «المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوي أسباب الألفة».

 

2- حقيقة الرفق

وحقيقة الرفق: أنّه ثمرة لحسن الخلق، ونتيجة لضبط قوة الغضب والشهوة.

قال الغزالي: «إعلم أن الرفق محمود ويضادّه العنف والحدّة، والعنف نتيجة الغضب والفظاظة، والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة، وقد يكون سبب الحدة والغضب هو شدة الحرص واستيلائه ، بحيث يدهش عن التفكر ويمنع من التثبّت، فالرفق في الأمور ثمرة لا يثمِرها إلا حسن الخلق، ولا يَحسُنُ الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة، وحفظهما على حد الاعتدال».

 

3- ضابط الرفق والشدّة

ضابط التفريق بين مَواطن الرِفق والتعنيف بالنسبة للداعية والواعظ أن يقال:

إنّ الشدة واللين تكون – والله أعلم- بحسب نوع الخطاب.

وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: خطاب يُراد به الرد على المخالف والتحذير منه.

الثاني: خطاب يُراد به مناظرة المخالف ومحاورته.

الثالث: خطاب يُراد به نصيحة المخالف وتعليمه ووعظه.

والظاهر أنه يَصلُح في الأول من الشدة ما لا يصلح في الثاني فضلًا عن الثالث، ويصلح في الثالث من اللين والتلطف ما لا يصلح في الثاني فضلاً عن الأول.

والمتأمل في الوحي يري ذلك واضحاً؛ فنرى في القرآن الكريم ردوداً على اليهود والمشركين فيها شدّة ظاهرة، فيصِفُهم بأنهم لا يعقلون، وأنهم كالأنعام، وأن مثَلَهم كمَثَل الحمار، فهذا مقام ردٍّ عليهم وتحذير للأمة من قبيح مقالتهم.

وفي قصص الأنبياء عليهم السلام– لاسيما إبراهيم وموسى – من النقاش العقلي الهادئ ما هو أقل شدة، وأكثر ليناً مما سبق.

وفي مقام النصح والوعظ يظهر من الشفقة واللين الرحمة ما لا يظهر مثله فيما مضى، كما في نصيحة مؤمن آل فرعون لهم، وكما في نصح إبراهيم عليه السلام لأبيه.

 

4- أهمية الرفق بالنسبة للواعظ

  • الرفق خير كلّه، وهو سبب لكلّ خير؛ لأنه يَحصل به من الأغراض ويُسهّل من المطالب ومن الثواب ما لا يحصل بغيره، وما لا يأتي من ضده.

ومن حرم الرفق فقد حرم الخير كله كما جاء في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من يحرم الرفق، يحرم الخير».

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من أُعطي حظّه من الرفق فقد أُعطي حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرفق فقد حرم حظّه من الخير».

أي: «أن نصيب الواعظ من الخير على قدر نصيبه من الرِفق، وحرمانه منه على قدر حرمانه منه، إذ به تنال المطالب الدنيوية والأخروية وبفوته تفوتان».

وعن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي ﷺ قال: «إنِّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيءٍ إلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلا شَانَهُ».

قال المناوي في شرح هذا الحديث: « لأنّ به – أي الرفق – تسهل الأمور، وبه يتصل بعضها ببعض، وبه يجتمع ما تشتت، ويأتلف ما تنافر وتبدّد، ويرجع إلى المأوى ما شذ، وهو مؤلف للجماعات، جامعٌ للطاعات، ومنه أُخِذَ أنه ينبغي للعالم: إذا رأي من يخلّ بواجب، أو يفعل محرماً أن يترفق في إرشاده، ويتلطّف به».

2- الرفق هو وصيّة النبي ﷺ للدعاة والوعّاظ، حيث كانت وصيّته ﷺ لصحابته رضوان الله عليهم حينما يرسلهم في الآفاق لتعليم الناس ووعظهم، هي: اليسر والترفّق بالناس.

فعن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا».

قال المناوي: «أي: علِّموهم وحالتكم في التعليم اليُسر لا العُسر؛ بأن تسلكوا بهم سبيل الرفق في التعليم، «وبشروا ولا تنافروا» أي: لا تشددوا عليهم، ولا تَلقوهم بما يكرهون لئلا ينفروا من قبول الدين واتباع الهدي».

3- إنّ رفق الواعظ بالناس ولين جانبه وبَسط وجهه لهم، وإحسانه إليهم؛ كثيراً ما يفتح القلوب المقفلة، ويمهِّد النفوس لتقبّل العظة والتذكير.

فبالرفق تُساس الطباع، ويُعرف مكمن الداء، ويُعطى الدواء، لتستقيم الأنفس على الخير، ويزول ما حلّ في الصدور من عوارض البغض، وأسباب الشحناء.

4- إنّ الرفق هو ديدن الأنبياء عليهم السلام في دعوتهم ووعظهم لأقوامهم، والقرآن الكريم يقصّ علينا كثيراً من صور ترفّقهم بأقوامهم.

 فمن ذلك قوله تعالى في قصة موسى وهارون عليهما السلام مع فرعون: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ).

فلقد أمر الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام أن يرفقا بعدوّ الله وعدو نفسه فرعون، مع سابق علمه بكِبره، وصلفه، وكفره، وعناده.

5- إنّ الواعظ مأمورٌ بالرفق في موعظته، بل إنّ الرفق شرط لازمٌ في كل واعظ وآمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، وقد دلّت النصوص على ذلك.

قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: «هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة، فهي مُحكَمَة في جهة العصاة الموحدين، ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين، وقد قيل: إن من أمكن معه هذه الأحوال من الكفار ورُجِي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة، والله أعلم».

وقال سفيان رحمه الله: «لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيقٌ بما يأمر،  رفيقٌ بما ينهى ، عدلٌ بما يأمر عدلٌ بما ينهى، عالمٌ بما يأمر عالمٌ بما ينهى».

 

5- صورٌ من رفق وعّاظ السلف رحمهم الله:

للرفق أنماطٌ كثيرة، وصورٌ عديدة في مقام الوعظ والإرشاد، وكان للسلف رحمهم الله شأنٌ عظيم، ونصيبٌ وافر من هذا الخلق، ولذلك أقبلت عليهم النفوس، وانتفعت بمواعظهم الخلائق؛ ومن صور الرفق في الموعظة:

  • 1- الرفق في مخاطبة الموعوظين:

ينبغي للواعظ أن يتلطّف في خطابه مع الموعوظين، ويبتعد عن الألفاظ النابية، والعبارات الجارحة، وأن يُظهر حرصه ورحمته بالموعوظين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

قال الإمام أحمد رحمه الله: «كان أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه إذا مرّوا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلاً رحمكم الله».

وسئل الإمام أحمد رحمه الله: «كان أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه يسألون عن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: «يأمر بالرفق والخضوع».

  • 2- تعميم الموعظة، والإسرار بها:

من صور الرفق في الموعظة تعميم الخطاب وعدم تعيين المخالف، أو الإسرار بها، وهذا رِفقاً بالمخالف وستراً عليه؛ لأنّ في التشهير إغارة للقلوب، وإشعال لِنارِ الضغينة.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: «من وعظ أخاه سرّاً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فضحه وشانه».

3- طلاقة الوجه وبشاشته:

إنّ الواعظ إذا كان متجهّماً مُكفَهِر الوجه نفرت منه النفوس، وأعرضت عن سماع مواعظه القلوب، وازدراه الناس وتنكّبوه.

ولذلك عدّ كثير من السلف بَسطَ الوجه من أصول مكارم الأخلاق، لما له من عظيم الأثر في نفوس الناس.

قال ابن مبارك رحمه الله: «حُسن الخلق هو: بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى».

وطلاقة الوجه وتبسّمه من أعظم الصدقات، ومن أقوى مصائد المودّة والأُلفة؛ كما جاء في حديث أبي ذرّ رضي الله عنه أنّ النبي ﷺ قال: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» .

قال المناوي في شرح الحديث: «يعني إظهارك له البشاشة والبِشر إذا لقيته تؤجر كما تؤجر على الصدقة، قال بعض العارفين: التَبسّم والبِشر من آثار أنوار القلب (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ) ، قال ابن عيينة رحمه الله: «والبشاشة مَصيَدة المودة، والبِرّ شيء هَيّن : وَجه طَلِيق وكلام لين».

4- مراعاة أحوال الناس وطبقاتهم:

من تمام فقه الواعظ مراعاة أحوال الناس، والرفق بضعفيهم، وهذا يقتضي منه عدم تطويل الموعظة إذا علم أنّ في الناس ذو الحاجة والمريض والشيخ الكبير، ويتحرّى ألا يعِظ الناس إلا غبّاً.

5- المداراة من غير مداهنة:

المداراة: هي الرفق واللين إذا كان فيها مدافعة، ومن معالم المداراة في الموعظة مراعاة أعراف الناس وعاداتهم ما لم تخالف الشرع، وهذا الأدب يتجلى عندما يعظ الواعظ في مكان غير المكان الذي عاش فيه وأَلِفَه، فعليه أن يتجنب في وعظه منافرتهم، أو مخالفتهم فيما اعتادوا عليه.

 قال ابن حزم رحمه الله: «وإياك ومخالفة الجليس، ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك، ولا في أُخراك وإن قلّ، فإنّك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة ، وربما أدّى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلاً»

 

الصبر

1- تعريف الصبر وحقيقته

من أجمع التعاريف التي عرِّف بها الصبر أنّه: «حَبسُ النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسهما عنه، وحبس النفس ومنعها عن الجزع، واللسان عن التشكِّي، والجوارح عن التشويش؛ كلَطم الخدود، وشقّ الجيوب ونحوهما».

« وحقيقة الصبر أنه خُلُق فاضل من أخلاق النفس؛ يمتنِع به عن فعل ما لا يحسن ولا يجمل ، وهو قوّة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها».

والصبر لا يكون إلا بعد معرفة تامّة بمآلات الأمور، وعظيم نفعها، أو عظيم ضررها، وبقدر إيمان المرء ومعرفته يكون صبره.

 

2- شروط الصبر وأنواعه

  • للصبر شروط ثلاثة:

1- الإخلاص لله عز وجل، قال تعالى: (وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ).

2- عدم الجَزَع والشكوى إلى المخلوقين.

3- أن يكون الصبر في أوانه عند الصدمة الأولى .

  • أنواع الصبر ومجالاته عند الوعّاظ:

الصبر باعتبار متعَلِّقه  ثلاثة أنواع :

1- الصبر على طاعة الله عز وجل:

وذلك لأنّ الطاعة تكليفٌ، والنفس من طَبعِها النُّفرة من القيود والتكاليف، فهي لا تستقيم على أمر الله إلّا بمجاهدة ومصابرة وترويض.

قال تعالى: (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا).

والواعظ مأمور بالصبر على طاعة الله عز وجل عامة، وعلى وعظه وإرشاده خاصة.

قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ).

وصبر الواعظ على وعظه وإرشاده يتكوّن من ثلاثة شعب:

  • صبرٌ قبل الموعظة : بتصحيح النيّة والإخلاص، والتبرّؤ من شوائب الرياء.
  • صبرٌ حالة الموعظة : بحيث لا يغفل عنها ولا يتكاسل عن تأديتها على أكمل وجه.
  • صبرٌ بعد تمام الموعظة : فلا ينظر لنفسه بعين العجب.

   ومن مجالات الصبر على الطاعة، وصوره عند الوعّاظ أنّ الواعظ قد يبتلى بإعراض بعض الناس عن وعظه وإرشاده، رغم إخلاصه في وعظهم، وتفانيه في نصحهم؛ فينبغي على الواعظ والحال هذه أن يوطّن نفسه على الصبر متأسّياً بالأنبياء والمرسلين عليهم السلام.

فهذا نوحٌ عليه السلام يُناجي ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) فأمره الله بالصبر فقال: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ).

 إنّ مهمة الوعظ مهمة شاقّة تستدعي من الواعظ أن يكون صبوراً محتسباً؛ فالواعظ قد يستدعي منه أحياناً أن يجوب مشارق الأرض ومغاربها، وقد يتعرّض إلى الجوع والبرد وغير ذلك، فطريق الوعظ والإرشاد ليس محفوفاً بالورود والرياحين.

قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

وأنبياء الله جميعاً يمثِّلون هذا النوع من الصبر، حيث قالوا رداً على أذى أقوامهم: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

ووعّاظ السلف رحمهم الله قد تعرّضوا لصنوف الأذية، وألوان النكاية، بسبب وعظهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ ولكنهم صبروا واحتسبوا، ومن نماذج ذلك:

  • قال مالك بن أنس رحمه الله: «ضُرِبَ محمد بن المنكدر وأصحاب له في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر».
  • قال عمير بن حبيب رحمه الله: «إذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فليوطِّن نفسه على الصبر على الأذى، وليوقن بالثواب من الله، فإنه من يصبر لا يجد للأذى مساً».

2- الصبر عن المعاصي والمحرمات:

وهو صبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر عن ملاذّ الدنيا أن ينالها من حرام أو يتوسع فيها توسعاً يُفَوت عليه تحصيل ما ينفع في آخرته.

ومن شأن الشهوات أنها محفوفة بالمغريات، ولا ينجو من حبائلها وغوائلها إلا من تحلّى بالصبر، ووطّن نفسه على دفعها.

ومن مجالات الصبر عن المعاصي والشهوات، وصوره عند الوعّاظ:

– وطّن السلف رحمهم الله أنفسهم على الاستقامة والبعد عن كلّ ما نهى الله عنه ورسوله.

– زَهِدَ السلف رحمهم الله في ملاذ الدنيا وشهواتها، وقَنِعوا بما قسم الله لهم من الأرزاق، وصبروا على الحاجة والإقتار، ولم يذلّوا أنفسهم لغير الواحد القهّار، ولم يمدّوا أعينهم إلى ما متّع الله به أقواماً من زينة الحياة الدنيا، وقد سبق معنا ذكر نماذج من زهد السلف وتقلّلهم وصبرهم على شظف العيش .

3- الصبر على المصائب وأقدار الله المؤلمة:

وهذا نوع من الصبر يقتضي من العبد ترك التسخّط على أقدار الله، إذ المصائب مع الصبر تغدوا نِعَماً في حقّ العبد يثاب عليها.

فعن صهيب بن سنان رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «عَجَباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له».

قال سفيان رحمه الله: «ليس بفقيهٍ من لم يعدّ البلاء نعمة، والرخاء مصيبة».

فالصبر من ورائه الفرج والبُشرى؛ كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).

   والبلاء عام يصيب القلوب بالخوف، والبطون بالجوع، والأموال بالنقص، والأنفس بالموت، والثمرات بالآفات.

 

3- مجالات الصبر على الأقدار، وصوره عند الوعّاظ

  * من مجالات الصبر على الأقدار، وصوره عند الوعّاظ:

– ينبغي للواعظ أن لا يظهر الجزع على المصيبة؛ لأنّ أعين الناس ترمُقُه، وإذا رأت منه ذلك، ربما سقطت مكانته عند الناس، ولم يعد لكلامه نفع عندهم.

قال الربيع بن أبي صالح: دخلت على سعيد بن جبير حين جيء به إلى الحجاج، فبكى رجلٌ، فقال سعيد: ما يبكيك؟ قال: لما أصابك، قال: فلا تبكِ، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) .

وينبغي للواعظ أن لا يشكو مصابه لفرد من الناس بل يوجّه شكواه ونجواه لمن يكشف الضرّاء، ويرفع البلاء.

قال مغيرة: «ذَهَبَت عين الأحنف بن قيس فقال: ذهبت من أربعين سنة، وما شكوتها لأحد».

* أهمية الصبر بالنسبة للواعظ:

إنّ الصبر من أعظم الصفات أهمية وأثراً على الواعظ، ويظهر ذلك من خلال:

1- إنّ الابتلاء للدعاة إلى الله والوعّاظ سنٌة ماضية، لا يسلم منها أحد منهم، فهو ملازم لهم في كلّ أحوالهم قبل الموعظة، وأثنائها، وبعدها.

«وأمام هذا العتوّ والنفور لا يجد الواعظ مفراً من الاعتصام بالصبر واليقين؛ لأن الصبر سيف لا يَنبُو، ومطيّة لا تكبو، ونور لا يخبو».

2- الصبر في مقام الدعوة والنصح والوعظ هو صفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وعليه مدار نجاح دعوتهم، وللواعظ أسوة فيمن مضى من الأنبياء عليهم السلام إذا أراد لدعوته نجاحاً، ولسعيه فلاحاً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا أمر الله الرسل وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر كقوله لخاتم الرسل ﷺ ، بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة فإنه أوّل ما أُرسِل أُنزلت عليه سورة يا أيها المدثر، بعد ما أنزلت عليه سورة اقرأ التي بها نُبّئ، فقال: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ).

3- الواعظ لا ينال الإمامة والقُدوة في الخير مطلقاً إلا بالصبر والثبات عليه، كما في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).

وقال ابن القيم رحمه الله: «فأخبر تعالى أنه جعلهم أئمة يأتمّ بهم من بعدهم لصبرهم ويقينهم؛ إذ بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين، فإنّ الداعي إلى الله تعالى لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه، وبصيرته به وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله باحتمال مشاق الدعوة، وكفّ النفس عما يُوهِن عزمه، ويضعف إرادته؛ فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره وتعالى».

  • الصبر قوة نفسية إيجابية فعّالة، تدفع الواعظ المتحلِّي بها إلى مقاومة كلّ أسباب الخَوَر والضعف والاستكانة والاستسلام، وتحمِلُه على الصمود والثبات أمام الفتن والمغريات، وأمام المِحَن والمكاره والأحداث إلى أن يأذن الله له بالنصر والتوفيق، أو أن يلقى الله تعالى وهو عنه راض.

 

التّواضع

1- تعريف التواضع وضابطه

التواضع اصطلاحًا :

للتواضع تعريفات كثيرة عند علماء السلف، فمن ذلك ما قاله الفضيل بن عياض رحمه الله: «التواضع أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبِلتَه منه، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته منه».

وضابط التواضع:

قال الغزالي : «اعلم أن خُلُق التواضع كسائر الأخلاق له طرفان ووسط؛ فطرفه الذي يميل إلى الزيادة يسمَّى تكبرًا، وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمَّى تخاسُساً ومذلة، والوسط يسمَّى تواضعاً.

والمحمود أن يتواضع في غير مذلّة ومن غير تخاسس، فإنّ كلا طرفي الأمور ذميم، وأحب الأمور إلى الله تعالى أوسطها ، فمن يتقدّم على أمثاله فهو متكبر، ومن يتأخر عنهم فهو متواضع؛ أي: وضع شيئاً من قدره الذي يستحقه».

2- درجات التواضع

ودرجات التواضع ثلاث وهي:

– الدرجة الأولى: التواضع للدين؛ وهو الانقياد لما جاء به الرسول ﷺ والاستسلام له والإذعان، فلا يعارض بمعقول منقولاً، ولا يتّهِم للدين دليلًا، ولا يرى إلى الخلاف سبيلاً.

– الدرجة الثانية: التواضع للخَلق؛ وذاك بتقبّل إخوتك المؤمنين، وقبول الحق ممن تحبّ وتكره، وقبول العذر من المقصّر في حقّك إذا جاء معتذراً.

– الدرجة الثالثة: التواضع لحقِّ الله تعالى؛ فلا يكون باعث العبد على العبودية مجرد رأي، وموافقة هوى، بل الباعث مجرد الأمر، وأن لا يرى لنفسه حقًا على الله عز وجل لأجل عمله.

 

3- مجالات التواضع وصوره عند الوعّاظ

إنّ مظاهر التواضع ومجالاته كثيرة جدًا، وحَسبُنا منها ما يعين الواعظ على المهمة العظيمة المنوطة به.

ويلخّص لنا الغزالي بعضًا من هذه المجالات والميادين التي ينبغي على كل واعظ أن يمتحن نفسه فيها، ولِيعلم مقدار تواضعه مع الخلق.

1- قبول الحقِّ، وعدم استنكافه:

فمن أبرز معالم التواضع عند الواعظ؛ أن يقبل الحقّ ممّن كان، وأن يعترف بالتقصير والخطأ متى لاح له الصواب، وظهر له الحق، سواء كان الخطأ علمياً، أو سلوكياً.

قال تعالى – متوعدًا من يستنكف عن قبول الحق -: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)

ومن صور هذا المعلم عند وعّاظ السلف رحمهم الله:

– قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «رحم الله من أهدى إلى عيوبي، تحبون أن تقولوا فيحتمل لكم، وإن قيل مثل الذي قلتم غضبتم، تجدون على الناس فيما تنكرون من أمورهم، وتأتون مثل ذلك، أفلا تحبون أن يؤخذ عليكم؟!».

2- التواضع للوعّاظ والأقران:

ينبغي للواعظ أن يتواضع لأقرانه، وأن لا يتقدّم عليهم في المجالس والمحافل، وألا يستنكِف من خدمتهم، وإعانتهم على أمورهم وحوائجهم، فإنّ ذلك مما يَسْلُل سَخيمة القلوب، ويضفي روح التعاون والتآزر بين الوعّاظ.

ومن صور ذلك عند السلف رحمهم الله:

– اجتمع الشعبي وأبو إسحاق السبيعي رحمهما الله، فقال الشعبي: أنت خيرٌ مني يا أبا إسحاق، قال: لا والله بل أنت خيرٌ مني وأسنّ».

3- إجابة دعوة الفقير:

ينبغي للواعظ أن يشارك الناس في معايشهم، فيقبل دعوة الفقير منهم، ويظهر له البشاشة والسرور، فإنّ ذلك من أقوى مظاهر التواضع.

ومن صور ذلك عند السلف رحمهم الله:

– مرّ الحسن بن علي رضي الله عنهما بمساكين معهم كسر خبز فاستضافوه، فنزل فأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم، وقال: اليد لهم لأنهم لا يجدون شيئاً غير ما أطعموني، ونحن نجد أكثر منه».

4- مخالطة الناس في أنديتهم وأسواقهم:

للواعظ أسوة في الأنبياء عليهم السلام، فقد كانوا يَغشَون الناس في أنديتهم وأسواقهم، ويبتاعون حاجاتهم، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا).

ومن صور ذلك عند السلف رحمهم الله:

– كان الحسن البصري رحمه الله في السوق فرأى لَغَطَ أهل الأسواق، فقال: أما يَقِيل هؤلاء؟ ما أظن ليل هؤلاء إلا ليل سوء».

وينبغي للواعظ ألا يستنكف عن حمل حوائجه، وقضائها من سوقه؛ لأن ذلك من علامات الكِبر الممقوت.

وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: «رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء فقلت: يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك هذا، فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين دخَلَت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها».

5- التواضع في الهيئة، والمشي، واللباس:

ينبغي للواعظ أن يتواضع في هيئته ولباسه، فلا يداوم على لباس الجديد من الثياب، بل يلبس ما تيسر له منه، وإن تبذل في لباسه – من غير شهرة – أحيانًا فهذا حسن.

عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن البذاذة من الإيمان».

قال ابن الأثير: «البذاذة رثاثة الهيئة، وأراد التواضع في اللباس، وترك التَّبجُّح به».

ومن ذلك أيضًا تواضُع الواعظ في مِشيته، لقوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) أي: سكينة، ووقاراً متواضِعِين [1].

«وكان علي بن الحسن رضي الله عنهما إذا مشى لا تجاوز يده فخذيه، ولا يخطر بها.

6- ازدراء النفس، والزهد في الألقاب :

من تمام الواعظ أن يزدري نفسه، وأن ينظر إليها بعين الاحتقار، ولا يري في نفسه مزيّة أو فضلاً، وهذا يؤدّي به إلى الزهد في الألقاب الرنّانة، والأسماء البرّاقة.

وقد كان السلف رحمهم الله – مع عظيم اجتهادهم، وعلوِّ قدرهم – يزدرون أنفسهم:

قال إبراهيم النخعي رحمه الله: «تكلّمتُ ولو وجدتُ بدّاً لم أتكلم، وإنّ زماناً أكون فقيهاً لزمان سوء».

وقال ابن عون: «كان محمد بن سيرين من أشدّ الناس إزراء على نفسه».

7- الترفّع عن الألفاظ المشعِرة بتعظيم النفس:

يجدر بالواعظ أن يبتعد عن العبارات الفجّة التي تنمّ عن نقص وغرور، وهي مجلبة لتباعد الأنفس، وتناكر الأرواح، وقلّة التأثير، فلا يكثر من إدراج ضمير المتكلم (أنا) أو ما يقوم مقامه، كأن يقول (في رأيي) أو (حسب خبرتي) أو (هذا ما توصلنا إليه) ونحو ذلك.

وأجدر بالبعد عن ذلك ما كان فيه تفخيم للنفس كالإتيان بضمير الجمع، كأن يقول: (هذا رأينا) أو (هذا ترجيحنا).

وبدلاً من ذلك يَحسُنُ به أن يستعمل الصِيَغ التي توحى بالتواضع، كأن يقول: ويبدو للمتأمل كذا وكذا) أو يقول: (ولعل الصواب أن يقال: كذا وكذا).

 

4- أهمية تواضع الواعظ

التواضع خلق الصادقين، وسَمتُ المخبتين، وله عظيم الأثر على الواعظ وعلى نصحه وإرشاده، وتتجلى هذه الأهمية من خلال الآتي:

1- التواضع فيه رفعة للواعظ، ومنزلة عند الناس:

فالوعّاظ إذا تواضعوا لله رفعهم في الدنيا والآخرة، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلّا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفع الله».

2- التواضع يجلب الألفة، والقرب من الناس:

إن التواضع يجعل الواعظ محبوباً في قومه وبيئته وذا أثر فعّال بينهم، بعكس الكِبر فإنه يشكل حاجزاً وجِداراً منيعاً بينه وبين الناس، فيعيش معزولاً غير مألوف.

فطِباع الناس النفور من المتكبّر، والإِلفُ للمتواضع.

والنفوس المتكبّرة لا يحبّها أحدٌ لأنّ أصحابها غِلاظ جفاة، قال تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).

3- التواضع سمت النبي ﷺ وهديه:

وللواعظ أسوة حسنة في ذلك إذا أراد النجاح لدعوته، والتوفيق والسداد.

وكان ﷺ مثلاً أعلى للدعاة والوعّاظ في القرب من الناس، ولين الجانب لهم والتواضع.

فقد كان ﷺ يمر على الصبيان فيسلم عليهم، وكانت الأَمَة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت، وإذا أكل لعق أصابعه الثلاث، وكان يكون في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصِف نعله، ويرقَع ثوبه، ويحلِب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء.

وكان هيّن المؤنة، ليّن الخلق، كريم الطبع، جميل المعاشرة، طلِق الوجه بسّاماً متواضعاً من غير ذلّة، جواداً من غير سَرَف، رقيق القلب رحيماً بكل مسلم، خافض الجناح للمؤمنين، ليّن الجانب لهم.

4- الكِبر والعُجب أكثر داء يصيب الوعّاظ:

إنّ مهمة الواعظ تقتضي منه إرشاد الناس، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وجمع القلوب حوله، ومن شأن هذه الأمور أن تحلَّ في نفسه الاعتداد والعجب والشعور بالترفّع عن الآخرين ، وهذا ما حذّر منه عمر بن الخطاب من جاء يستأذنه في الوعظ والقصص كما سبق معنا.

فالتواضع هو سلاح الواعظ الذي يحارب به داء العجب والاعتداد بالنفس، ولا مفر للواعظ من توطين نفسه، وترويضها على هذا الخلق الكريم، إذا أراد الفلاح والنجاح، والقبول عند الله عز وجل.

ولا ريب أن للموعظة الحسنة، أهمية بالغة في مجال الدعوة إلى الله تعالى، سواء اتخذت صفة النصح أو التذكير أو الترغيب والترهيب، أو غير ذلك من صفات وأساليب الموعظة الحسنة.

_______________________

([1])  « مدارج السالكين » 2/327.