اختر صفحة

السير إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يكون إلا من طريق واحد هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم فالطرق وإن كثرت والسبل وإن تنوعت فإنها لا تصلح في السير إلى الله ولا تقبل ولا تصل بصاحبها إلى الغاية
العظمى والمنزلة العليا من رضوان الله وجنته ولأن السير إلى الله مطلوب حتما طوعا أو كرها كما قال الله تعالى :” {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق: 6] أي: إنك ساع إلى الله، وعامل بأوامره ونواهيه، ومتقرب إليه إما بالخير وإما بالشر، ثم تلاقي الله يوم القيامة[1] .

فسيرك إليه سبحانه تعالى لا يكون بما تريد أو بما تهوى وإنما بما شرع لك ووضح وطلب من خلال رسوله الذي أرسله إليك ليكون متبوعا مطاعا

فالإتباع ليس اختياريا ولا نفلا بل لا صحة للسير ولا قبول للعمل إلا من طريق الإتباع الصحيح للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وهو الضامن الوحيد للإستقامة والسلامة من الزيغ.

والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم هو حقيقة شهادة أن (محمدا رسول الله) وأولى مقتضى من مقتضياتها وهو علامة محبة المؤمن لربه مصداقا لوقوله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31] وبالاتباع تحصل محبة الله للعبد كما في الآية نفسها ، والإتباع ليست مجرد دعوى أو انتساب لفظي بل هي أفعال وسلوك والتزام وهدي فاتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعني الالتزام بسنته والحرص على هديه وألا يعبد الله إلا بالطريقة التي جاء بها ، ومهما كانت القربات والطاعات ومهما بلغ الاجتهاد ومهما كان الحرص على الخير وقصد التقرب فإنها لا تغني شيئا ما لم تكن خالصة لوجه  الله تعالى وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  فالخير كل الخير في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ” واقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة”[2]

كما أثر عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم وهم خير  من اجتهد وخير من اتبع في هذه الأمة .

ولذلك كانت البدعة ضلالة لما فيها من انحراف في السير والفهم ولأنه تخالف طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به وبلغه للناس والذي يجب على الناس السير فيه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم قال :” وكل بدعة ضلالة “[3]

فالعبد الحريص على سلامة سيره وصحت عمله وراغب فيما عند الله لا تجره العاطفة أو تجرفه الأهواء أو يستسلم لضغط الواقع أو يتأثر بالعوام أو بمن ابتلي بمثل هذه البدع وهو يعلم أنها بدعة فلا يبرر لنفسه بشيء وهو يعلم أنه لا ينفعه وحجته واهية ودعواه باطلة

فالنجاة في الاتباع وإن قل السائرون فهو : “دليل المحبّة الكاملة ويجلب محبّة الله لعبده، وهو سبب لجلب رحمة الله تعالى ومغفرته ورضوانه، ودليل على الفلاح والهداية وقبول التّوبة، ويجلب التّأييد والنّصر والتّمكين والعزّة والفلاح، وبه يحصل للعبد السّعادة وطيب العيش في الدّارين، وهو علامة على الخروج من هوى النّفس وعبادة الذّات، وأكبر ضمان بالسّلامة والأمن من الخطأ لعصمة المتبوع صلّى الله عليه وسلّم”[4].

فالأمر كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ” اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم “[5] ولا يحزنك غربة أهل الإتباع وقلة ناصرهم وضعف حالهم فالمحك هو ما يريده الله سبحانه وتعالى لا ما عليه الناس

نسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا الإتباع الصحيح وأن يتوفانا على الإسلام والسنة وأن يحشرنا في زمرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

_____________________________________________

[1] ) تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 917)

[2] ) الفتاوى – ابن تيمية – ( 10 / 393 ) وغيرها .

[3] ) رواه مسلم ( 1960 )

[4] ) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (2/ 41) بتصرف يسير .

[5] ) السابق (9/ 3743) نقلا من  (الدارمي (1/ 80) .