كانت مواعظ المتقدمين من السلف مادة خصبة ومعيناً فياضاً، لذا كثر استشهاد المتأخرين بمواعظ المتقدمين، ومن أوجه هذا الاستشهاد:
- 1- الاستشهاد بما ثبت من مواعظ السلف:
عن مهاجر بن عمير قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ارتحلت الدنيا مُدبرة، وارتحلت الآخرة مُقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل».
- 2- تذكر الموعظة على سبيل الاستشهاد:
قال ثابت البناني في موعظة له – في ذمِّ التنعّم في الدنيا -: «قال أبو هريرة رضي الله عنه: البيت الذي يُتلى فيه كتاب الله كَثُرَ خيره، وحضرته الملائكة، وخرجت منه الشياطين، وإنّ البيت الذي لم يُتل فيه كتاب الله ضاق بأهله، وقلَّ خيره، وحضرته الشياطين، وخرجت منه الملائكة».
- 3- الوعظ بذكر أحوال السلف وما كانوا عليه من تألّه وعبادة:
كان السلف رحمهم الله على قدر كبير من التقوى والعبادة والزهد، وكانت حياتهم وسيرتهم عِظَة لكل متّعظ، وهذا ما أدركه السلف رحمهم الله، فكان الواحد منهم يذكر في موعظته أحوال سَلَفِه كي يحصل بهم الاقتداء والأسوة.
ومن أمثلة ذلك قول الحسن البصري رحمه الله: «إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على ظهر الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في سر فيكون علانية أبداً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت».
فانظر رحمك الله إلى شدّة تمسك السلف رحمهم الله بآثار من سبقهم، بعد أن علموا منزلتهم في الدين والإيمان، فجعلوا من مواعظهم وخطبهم زاداً ومنهلاً عنه يُصدِرون، وإليه يرِدُون، فاستقامت دعوتهم، وسدّدت مواعظهم.